بدأت حكايتنا مع خلود من سبع سنوات مضت .. حين نزل بها السرطان في رئتها , وظلت تأخذ العلاج الذي يضعف قواها ولا يزيدها إلا تدهورًا , ثم غادرت البلاد بحثًا عن علاج , ولما لم يكتب الله الشفاء لم تنفعها الأسباب إلى أن قرر الأطباء أن علاجها ميؤوس منه وعمرها في الحياة محدود على حد علمهم , فعادت إلى بلادها وكلها ثقة بقضاء الله ويقين بأن ما يقدره لها فيه الخير وأن تأخير الفرج يحمل بين طياته الخير لعبده ولا شك .. مما كساها نضرة ونورًا في الوجه لا نجده إلا في أمثالها من الصابرين نحسبهم كذلك ..
لم يشغلها المرض وهمّه عن تعاملها مع الله وأدائها لحقوق العباد .. بل برت بالأم وأرضت الزوج وأحسنت إلى أمه واعتنت بالأبناء , و فوق هذا تعلق قلبها بالله كثيرًا بالصلاة والقرآن والدعاء ..
إلى أن تدهور صحتها وبدأت تفقد الوعي , فكانت لها حكاية أخرى تعلمنا منها دروسًا أخرى ..

قالت إحدى الأخوات عنها :
توفيت بعد معاناة سبع سنوات مع المرض
تصفحت حسابها فوجدت تغريدة مؤثرة
 ] لا أعلم ما ينتظرني ولكن ثقتي بربي تكفيني .. اللهم إني أستودعك شؤون حياتي وديني وذريتي وصحتي فلا مدبر لها غيرك
ذهبت اليوم لأعزي والدة خلود , فوجدت نفسي تختلج بكلمات , فآثرت أن أبوح بها لحبيباتي :
مدرسة خلود:
لم كنت أحلم أني في يوم من الأيام سأقابل في زمننا شخص له آثار عجيبة تشابه تلك التي في زمن السلف لكني والله بحق رأيتها في خلود
كنت أرى فيها مثالاً عجيباً للصبر وعدم التشكي .. فقد يأتي الواحدة منّا أدنى مرض أو همّ فلا يتبقى شخص إلا وقد أخبرناه أو شكونا له , ونشعر أننا أقل الناس حظاّ وأسوأهم حالاً في هذه الحياة .. بل حتى من شدة التسخط نرى أنفسنا أسوأ ممن هم في مثل حالنا .. لكن خلود كان ردها دائمًا " طيبة الحمد لله وما فيني إلا العافية .. لولا الضيقة اللي تجيني أحيانا " .. وهي تعاني مع السرطان طوال السنوات السبع , وكانت تتفوه بهذه الكلمات بعد عودتها من أمريكا من رحلتها العلاجية ،، وقد قرر الأطباء بأن لا علاج ممكن لمداواتها وأن إحدى رئتيها تالفة والأخرى مليئة بالأورام .... 
لقيت في خلود يقيناً عجيباً .. فبعد أن أخبرها المستشفى بأن لا علاج يداويها وأن ليس أمامها سوى الموت , وهي مع ذلك تردد كلما وردها أمر : " إذا الله شفاني .. إذا الله شفاني " !! ومما يزيدها يقيناً أنها كانت تضع في مخيلتها أن الله أعد لها منزلة في الجنة ولن تبلغها إلا بهذا البلاء .. حتى لما جاءها خبر أن لم يعد لها علاج لحالتها وحالها ميؤوس منه ،، جاءت لتعلم والدتها بكل ثبات ، ثم أتبعته بدمعة أخرجت شيئاً بسيط مما في النفس ..
أشياء كثيرة قد تشغلنا في حياتنا عن أبنائنا , لكن خلود لم يشغلها مرضها عن أولادها فهذا ولدها الكبير بمجرد عودته من المدرسة يتجه نحوها في سريرها ويجلس عند رجليها ليتبادل معها أطراف الحديث , وهاهو اليوم يُفجع بفراقها حتى أنه من هول الصدمة ركب معها في سيارة الإسعاف التي ستنقلها من الثلاجة إلى المغسلة ..
تميزت خلود ببر والديها , فهذه أمها تقول : " لا أحد يعادل خلود "
أما الزوج فما ذكرها إلا بخير , ومع ذلك في لحظات الاحتضار طلبت حضوره لتقول له : " حللني"
خيرها وصل أم زوجها التي بكت عليها أكثر من بكاء أمها , وتقول لهم : أتسمحون لي أزوركم كل يوم ؟؟  من شدة فقدها لخلود ..
تقول أمها : إذا اجتمعت العائلة لجلسة حول القهوة وهي تصلي قلنا ستفوتها الجلسة من طول صلاتها , وكانت إذا اشتد بها الحال من ألم المرض نادت أحد أخواتها لتقرأ عليها ..
والله رأيتها قبل وفاتها بشهر تقريبًا أو أقل .. رأيت وجهاً عجيباً على ما أصابه من المرض وأنهكه التعب إلا أنه يشع نوراً عجيباً يُخجل من يراه ..
أما الأب فلم يتحمل رؤية ابنته في لحظات الاحتضار  .. لكن الأم الحنون تحملت هذه اللحظات , وتقول إن خلود لم تكن في وعيها تمامًا .. لكنها نادتني بعد ما أنهيت صلاتي ، وقالت : اقتربي عندي , قربتُ منها ولمستني وضمتني ، وجلست أضمها لصدري وهي ترى جهاز رصد نبض القلب , وتقول نبضي يتراجع يبدو أنني سأموت , فأبعدت أمها الجهاز عن نظرها حتى لا تراه ..
كيف تحملت الأم هذي اللحظة !!
وتقول : جلست أردد عندها الشهادتين , فصارت تتشهد بقوة , وتقول : اقرئي علي الحمد , وأنا أقرأ قالت : "يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية " وترفع عينيها إلى السماء وكأنها ترى شيئاً ، وتقول : " أنا بروح الجنة شوفيها "
لحظات سقط رأسها جانباً وكأنها نامت , ففاضت روحها بهدوء .. سألتكم بالله هل نرى مثل هذا في زماننا ؟؟؟
حتى المغسّلة التي غسلتها ترفع رأسها نحوها لتقبّلها وتقول : ما رأيت مثل جنازتها !!
والله يا خلود إنك لمدرسة .. نتعلم منها شيئاً كثيراً إن كان في قلوبنا حياة ..
اعذروني إن أحزنتكم واعذروني لو كان بيدي لصغت لها من الحديث آلاف الكلمات ولكن خنقتني العبرات .. وهنا أتوقف ..
من تغريدات خلود رحمها الله :
*لعل في تأخير الفرج تكفير لم ينته أو رفعةٌ لم تُكتمل .. رضينا يا رب بتدبيرك .. رضينا كل الرضا
*أريد من أبنائي البر بوالديهم والدعاء لهم حتى لا ينقطع العمل (ولد صالح يدعو له)
من بعض تغريدات إخواننا لأختناخلود:
*صاحبة هذه الحساب @khlood80توفيت آخر تغريدةما أنت إلا كزرع عند خضرته *بكل شيء من الآفات أجمعها * فأنت عند تمام الأمر محصود
*يا رب إن لك عباد ينتظرون فرحًا قريبًا فبشرهم , وعباد يسألونك شفاء فعافهم , وعباد يريدون رحمتك فارحمهم يا الله بإذنك

غفر الله لك يا خلود وخلف لك في عقبك خيرًا وربط على قلوب محبيك ،، وأيقظنا من غفلتنا وجمعنا بك في جنات النعيم

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يسعدنا رأيكم ()"